الخبرة الطويلة ليست حصانة: كيف يقود الغرور المهني إلى حوادث العمل


 الخبرة الطويلة ليست حصانة: كيف يقود الغرور المهني إلى حوادث العمل


في عالم السلامة المهنية، تُعتبر الخبرة الطويلة ركيزة أساسية تميز العاملين ذوي المهارات العالية، ويُعتقد أنها الدرع الواقي من الأخطاء والحوادث لكن الحقيقة الواقعية تكشف جانباً آخر قد لا يُنتبه إليه في كثير من الأحيان؛ إذ يمكن أن يتحول الغرور المستند إلى سنوات العمل إلى خطر خفي يهدد سلامة الأفراد والمنشآت فالاعتماد على خبرة ماضية دون مراجعة مستمرة للمعرفة والتحديث في الإجراءات يجعل العامل أو المسؤول في مواجهة مخاطرة حقيقية ، الغرور المهني قد يولد شعوراً زائفاً بالثقة المطلقة، حيث يظن البعض أن تجربتهم الطويلة تمنحهم مناعة ضد الحوادث، مما يدفعهم إلى التقليل من أهمية تطبيق معايير السلامة أو تجاهل التحذيرات التي قد تبدو للبعض زائدة أو مكررة.


هذه الحالة تنعكس بشكل سلبي على بيئة العمل، إذ تشير دراسات دولية مثل تلك الصادرة عن منظمة OSHA إلى أن نسبة لا يستهان بها من الحوادث المهنية تنبع من الإهمال أو الاستهتار الناتج عن هذا الغرور المعرفي، ولأن الحوادث لا تعترف بالخبرة أو الأقدمية، يصبح من الضروري أن يدرك الجميع أن الخبرة لا تساوي التوقف عن التعلم ففي الواقع، الخبرة الحقيقية هي تلك التي تصاحبها القدرة على التكيف مع المتغيرات والتحديث المستمر للمعرفة فان إدارات السلامة التي تعتمد فقط على سنوات العمل كمقياس للكفاءة دون توفير التدريب المستمر والتوعية، تضع نفسها والموظفين في مهب الريح.


الثقافة التنظيمية تلعب دوراً محورياً في الحد من تأثير الغرور المهني فان الشركات التي ترسخ في مناخها المهني قيم التواضع والانفتاح على التعلم تخلق بيئة أكثر أماناً واستدامة فهي بذلك تحفز العاملين على الاستماع والنقاش ومراجعة الأداء، وليس فقط الاعتماد على خبرة الماضي كملاذ آمن. 


كما أن الإدارة الفعالة تدرك أن مسؤولية السلامة ليست مقصورة على فرد أو قسم، بل هي مسؤولية مشتركة بين الجميع، من الإدارة العليا مروراً بالمديرين المشرفين ووصولاً للعاملين في خطوط الإنتاج حتى أصحاب الخبرات الطويلة يحتاجون إلى رقابة مستمرة وتقييم موضوعي لأدائهم لضمان الالتزام بأعلى معايير السلامة.


باختصار، يمكن القول إن الغرور بالخبرة الطويلة قد يكون طريقاً سريعاً إلى الحوادث المهنية، إذا لم يكن مصحوباً بتواضع مهني ورغبة مستمرة في التعلم والتطوير.


 السلامة في العمل ليست نتيجة لحظ أو حصانة، بل هي ثمرة ثقافة متجددة من الوعي والمسؤولية الجماعية، حيث يتحول كل عامل مهما كانت خبرته إلى حارس لنفسه ولزملائه من خلال احترام الإجراءات والالتزام الدائم بالتدريب والتطوير.

تعليقات