ما زالت الحوادث الصناعية تشكّل تحديًا مستمرًا للقطاع الإنتاجي في الأردن، رغم الجهود المبذولة على مستوى التشريعات والتفتيش والتدريب ففي السنوات الخمس الماضية، بدا واضحًا أن نمط الحوادث يتكرر بوتيرة تدعو للتأمل، مما يشير إلى وجود مشكلات بنيوية تتعلق بثقافة السلامة أكثر من كونها مجرد حوادث عرضية.
البيانات غير الرسمية تشير إلى أن المصانع الأردنية تسجّل مئات الحوادث سنويًا، تتفاوت في شدتها بين الإصابات البسيطة، إلى تلك التي تترك أثراً دائماً على حياة العامل أو على استمرارية الإنتاج وبالعودة إلى الأسباب الجذرية لهذه الحوادث، نجد أن أحد أكثر المسببات شيوعًا هو غياب التقييم المهني الفعلي للمخاطر. كثير من المنشآت تعتمد على تقييم شكلي لا يعكس واقع العمل، أو تتجاهل تحديثه رغم تغير العمليات والمعدات، مما يترك ثغرات خطيرة غير مغطاة.
إلى جانب ذلك، يتكرر القصور في تدريب العاملين على التعامل مع المخاطرفيتم الاكتفاء في بعض المصانع بإعطاء دورة نظرية عند التوظيف، دون متابعة أو تدريب عملي دوري وهذا القصور ينتج عنه تصرفات ارتجالية ( الفزعة ) في بيئات خطرة، ويزيد من احتمالية الخطأ البشري بنسبة كبيرة.
ومن الأسباب اللافتة أيضًا، ضعف الالتزام باستخدام معدات الوقاية الشخصية، أو عدم توفرها من الأساس، أو استخدام أنواع غير ملائمة لطبيعة الخطر ورغم أن هذه المعدات قد تكون خط الدفاع الأول، إلا أنها غالبًا ما تُهمل إما بسبب ضعف المتابعة، أو بسبب ثقافة استهانة مترسخة في بعض بيئات العمل.
كما يُلاحظ أن الضغط الإنتاجي يلعب دورًا مباشرًا في ارتفاع معدلات الحوادث، إذ يلجأ بعض المشرفين أو العاملين إلى تجاوز إجراءات السلامة بحجة إنجاز المهام بسرعة، حتى وإن كان ذلك على حساب الأرواح ومع الأسف، لا تزال بعض المنشآت تُكافئ الإنجاز الزمني أكثر مما تُكافئ الالتزام بالإجراءات، وكأن السلامة خيار ثانوي لا يؤثر على الأداء العام.
ولا يمكن تجاهل ضعف ثقافة الإبلاغ عن شبه الحوادث أو المخاطر المحتملة فالعامل الذي يتردد في التبليغ خوفًا من اللوم، أو لعدم وجود آلية واضحة للإبلاغ، يُصبح معرّضًا للمخاطرة دون أن يعلم وهذا الصمت المهني هو ما يسمح للمخاطر بالاستمرار دون معالجة، إلى أن يقع الحادث الحقيقي الذي كان بالإمكان منعه.
الملفت في الأمر أن أغلب هذه الأسباب ليست جديدة، بل تكررت على مدار الأعوام دون حلول جذرية وهذا ما يجعل من الضروري الانتقال من أسلوب رد الفعل إلى أسلوب استباقي قائم على الوقاية، والتحليل، والمساءلة.
في النهاية، الحادث الصناعي لا يقع فجأة هو نتاج سلسلة من الإهمالات الصغيرة، التي تم تجاهلها أو تبريرها، إلى أن أصبحت واقعًا مؤلمًا أما المصنع الذي ينجو، فهو الذي يؤمن بأن السلامة ليست ملفًا إداريًا، بل قرارًا إداريًا وثقافة مؤسسية تبدأ من أعلى الهرم وتنتهي عند أبسط عامل.
في السنوات الخمس الأخيرة، شهد القطاع الصناعي في الأردن تحديات كبيرة فيما يتعلق بسلامة وصحة العمال فتشير بيانات مؤسسة الضمان الاجتماعي إلى تسجيل 16,161 إصابة عمل في القطاعات الاقتصادية الخاصة خلال عام 2022، منها 4,393 إصابة في قطاع الصناعات التحويلية، بنسبة 27.2% من إجمالي الإصابات كما سجل القطاع ذاته 21 حالة وفاة إصابية، ما يمثل 26.9% من إجمالي الوفيات المهنية في العام نفسه.
الأسباب الجذرية للحوادث الصناعية
1. السقوط من ارتفاعات: يُعد السقوط السبب الأكثر شيوعًا لإصابات العمل، حيث سجل 4,319 إصابة بنسبة 26.7% من إجمالي الإصابات في عام 2022.
2. ضعف تقييم المخاطر: عدم إجراء تقييمات دقيقة للمخاطر في بيئة العمل يؤدي إلى تعرض العمال لمخاطر غير متوقعة، مما يزيد من احتمالية وقوع الحوادث.
3. نقص التدريب والتأهيل: عدم توفير التدريب الكافي للعمال على استخدام المعدات والتعامل مع المواد الخطرة يساهم في زيادة الحوادث.
4. غياب ثقافة السلامة: عدم الالتزام بإجراءات السلامة وعدم استخدام معدات الوقاية الشخصية يؤدي إلى ارتفاع معدلات الإصابات.
5. ظروف العمل غير السليمة: سوء صيانة المعدات، التصميم غير المناسب للآلات، وعدم وضوح طرق العمل تساهم في وقوع الحوادث.
التوصيات
-
تعزيز ثقافة السلامة: يجب على إدارات المصانع تعزيز ثقافة السلامة بين العمال من خلال التدريب المستمر والتوعية.
-
تحسين بيئة العمل: ضمان صيانة المعدات بشكل دوري وتصميم بيئة عمل آمنة يقلل من مخاطر الحوادث.
-
تقييم المخاطر بانتظام: إجراء تقييمات دورية للمخاطر يساعد في تحديد وتخفيف المخاطر المحتملة.
-
الالتزام بالتشريعات: تطبيق قوانين السلامة والصحة المهنية بصرامة يساهم في حماية العمال وتقليل الحوادث.
من خلال تنفيذ هذه التوصيات، يمكن للقطاع الصناعي في الأردن تقليل معدلات الحوادث وتحسين سلامة وصحة العمال.